فصل: الحديث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ:

عَن لَقِيط بن صبرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُول الله، أَخْبرنِي عَن الْوضُوء، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَسْبِغ الوضُوءَ، وخَلل بينَ الأَصَابِعِ، وبَالغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أنْ تكونَ صَائِمًا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَئِمَّة: الشَّافِعِي وَأحمد، والدارمي فِي مسانيدهم وَابْن الْجَارُود فِي المُنْتَقَى وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن الْكُبْرَى والْمعرفَة وَغَيرهمَا، وَبَعْضهمْ يزِيد عَلَى بعض، وَصَححهُ الْأَئِمَّة.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَابْن الْقطَّان: هُوَ حَدِيث صَحِيح وَأخرجه أَيْضا الإِمام أَبُو عبد الله الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَلم يخرجَاهُ، وَهُوَ فِي جملَة مَا قُلْنَا أنَّهما أعرضا عَن الصَّحَابِيّ الَّذِي لَا يروي عَنهُ غير الْوَاحِد، فقد احتجّا جَمِيعًا بِبَعْض هَذَا النَّوع. قَالَ: وَأَبُو هَاشم إِسْمَاعِيل بن كثير الْقَارِي- يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده- من كبار المكيين، رَوَى عَنهُ هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه جمَاعَة غير الثَّوْريّ، مِنْهُم ابْن جريج، وَدَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار، وَيَحْيَى بن سليم وَغَيرهم. ثمَّ سَاق ذَلِكَ بأسانيده إِلَيْهِم. ثمَّ قَالَ: وَله أَيْضا شَاهد عَن ابْن عَبَّاس. ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي غطفان المري، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «اسْتَنْثِرُوا مَرتين بالغتين أَوْ ثَلاَثًا».
ثمَّ أخرجه الْحَاكِم بعد ذَلِكَ بِنَحْوِ من كراسين، عَن لَقِيط بن صبرَة مَرْفُوعا مُخْتَصرا: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِلْ بَينَ الأَصَابِع» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث قد احتجا بِأَكْثَرَ رُوَاته ثمَّ لم يخرجَاهُ؛ لِتَفَرُّد عَاصِم بن لَقِيط بن عَامر بن صبرَة عَن أَبِيه بالرواية.
ثمَّ قَالَ: وَله شَاهد. فَذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى صَالح، عَن ابْن عَبَّاس أنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِلْ بَينَ أَصَابِع يَدَيك وَرِجْلَيْك».
قَالَ الْحَاكِم: صَالح هَذَا أَظُنهُ مولَى التوءمة؛ فَإِن كَانَ كَذَلِك فَلَيْسَ من شَرط هَذَا الْكتاب، وإنَّما أخرجته شَاهدا.
قُلْتُ: وَإسْنَاد لَقِيط بن صبرَة هَذَا رِجَاله رجال الصَّحِيح إِلَّا إِسْمَاعِيل بن كثير الْمَكِّيّ، وَقد رَوَى عَن مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير وَعَاصِم بن لَقِيط بن صبرَة، وَرَوَى عَنهُ ابْن جريج وَالثَّوْري وَيَحْيَى بن سليم الطَّائِفِي وَدَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار. قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح. وَقَالَ ابْن سعد: ثِقَة كثير الحَدِيث.
وَإِلَّا عَاصِم بن لَقِيط بن صبرَة، وَقد وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَابْن حبَان، وَأخرج حَدِيثه فِي صَحِيحه. وَكَذَلِكَ شَيْخه ابْن خُزَيْمَة وَلَا نعلم جرحا فِيهِ.
لَا جرم أَن ابْن الْقطَّان قَالَ فِي علله: إِنَّه حَدِيث صَحِيح. وَأفَاد أَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي ذكر عَن الثَّوْريّ زِيَادَة فِيهِ وَهِي الْأَمر بالمبالغة فِي الْمَضْمَضَة أَيْضا، وَابْن مهْدي أحفظ من وَكِيع- الَّذِي لم يذكرهَا- قَالَ أَبُو بشر الدولابي- فِيمَا جمع من حَدِيث الثَّوْريّ-: ثَنَا مُحَمَّد بن بشار، نَا ابْن مهْدي، عَن سُفْيَان، عَن أبي هَاشم، عَن عَاصِم بن لَقِيط، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَأَبلغْ المَضْمَضَةَ والاسْتِنْشَاقَ مَا لَمْ تَكُنْ صَائِمًا» قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا صَحِيح.
وممَّا يَنْبَغِي أَن يتَنَبَّه لَهُ- رحمنا الله وَإِيَّاك- أَن صَاحب الْمُهَذّب قَالَ فِي آخر هَذَا الحَدِيث: «وَلَا يُستقصى فِي الْمُبَالغَة فَيصير سَعُوطًا» وَهَذَا من كَلَامه- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَلَيْسَ من الحَدِيث، وَهُوَ بِالْوَاو فِي أوَّل يستقصى لَا بِالْفَاءِ، ويستقصى بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت أوَّله لَا بِالتَّاءِ بِالْمُثَنَّاةِ فَوق، كَذَا ضَبطه النَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- قَالَ: وإنَّما ضبطته هَكَذَا لأنَّ القلعي وَغَيره غلطوا فِيهِ، فجعلوه بِالْفَاءِ وَالتَّاء وجعلوه من الحَدِيث، وَهَذَا خطأ فَاحش. وَكَذَا نبه عَلَى ذَلِكَ قبله الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى المهذّب.
وصَبِرة بِفَتْح الصَّاد وَكسر الْبَاء، وَيجوز إسكان الْبَاء مَعَ فتح الصَّاد وَكسرهَا، أَفَادَهُ النَّوَوِيّ فِي التَّهْذِيب وَهُوَ لَقِيط بن عَامر بن صبرَة بن عبد الله بن المنتفق الْعقيلِيّ أَبُو رزين، وَقيل: لَقِيط بن عَامر غير لَقِيط بن صبرَة. قَالَ ابْن عبد الْبر وَغَيره: وَهَذَا غلط؛ بل هما وَاحِد. وذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه جَامع المسانيد وَقَالَ: لَقِيط بن عَامر بن المنتفق الْعقيلِيّ، وَذكر لَهُ عدَّة أَحَادِيث، وَهُوَ أَبُو زرين. ثمَّ قَالَ: مُسْند لَقِيط بن صبرَة بن المنتفق بن عَاصِم. وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث وَحده من طَرِيق آخر.
ثمَّ قَالَ يَحْيَى بن معِين: هُوَ أَبُو رزين الْعقيلِيّ؛ فَمَا يعرف لَقِيط غير أبي رزين.
قَالَ: وَإِلَى نَحْو هَذَا ذهب البُخَارِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: لَقِيط بن عَامر، وَيُقَال: ابْن صبرَة. وَخَالَفَهُمَا عَلّي بن الْمَدِينِيّ، وَخَلِيفَة بن خياط، وَمُحَمّد بن سعد، وَأَبُو بكر البرقي، فجعلوهما اثْنَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيح.
قُلْتُ: وَقَالَ عبد الْغَنِيّ الْمصْرِيّ: أَبُو رزين الْعقيلِيّ هُوَ لَقِيط بن عَامر بن المنتفق، وَهُوَ لَقِيط بن صبرَة.

.الحديث الثَّلَاثُونَ:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوئِي وَوضُوءُ الأنبِيَاءِ قَبلِي وَوضُوءُ خَلِيلِي إِبرَاهِيمَ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه، عَن أبي بكر بن خَلاد الْبَاهِلِيّ، حَدَّثَنِي مَرْحُوم بن عبد الْعَزِيز الْعَطَّار، حَدَّثَنِي عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي، عَن أَبِيه، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن ابْن عمر قَالَ: «تَوَضَّأ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاحِدَة وَاحِدَة، فَقَالَ: هَذَا وضُوءُ مَن لَا يقبلُ اللهُ مِنْه صَلَاة إِلاَّ بِهِ. ثمَّ تَوَضَّأ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فَقَالَ: هَذَا وضُوءُ القَدْرِ من الوضُوءِ. وَتَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ: هَذَا أَسْبَغ الوضُوء، ووضُوء خَلِيل اللهِ إِبْرَاهِيم، وَمن تَوَضَّأ هَكَذَا ثمَّ قَالَ عِنْد فَرَاغه: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أنَّ مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فُتِحَ لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة يدْخل من أَيهَا شَاءَ».
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه من رِوَايَة مَرْحُوم بن عبد الْعَزِيز، عَن عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي، عَن أَبِيه، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن أَبِيه، عَن جده. قَالَ: «تَوَضَّأ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاحِدَة وَاحِدَة فَقَالَ: هَذَا وضوءُ من لَا يقبلُ اللهُ مِنْهُ صَلَاة إِلاَّ بِهِ. ثمَّ تَوَضَّأ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ فَقَالَ: مَن تَوضَّأ هَكَذَا ضاعفَ اللهُ لهُ أَجْرَه مَرَّتَيْن. ثمَّ تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا إسباغُ الوضُوءِ وهَذَا وُضُوئِي ووُضُوءُ خَلِيلِ اللهِ إِبرَاهِيمَ...» وَذكر بَاقِي الحَدِيث.
وَرَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي علله إِلَى قَوْله: «ووضوء الْأَنْبِيَاء قبلي».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْفضل، عَن زيد الْعمي، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن ابْن عمر «أنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ مرّة مرّة، ثمَّ قَالَ: هَذَا وَظِيفَةُ الوُضُوءِ الَّذِي لَا يقبلُ اللهُ صَلاةً إِلاَّ بِهِ. ثمَّ دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ثمَّ سكت سَاعَة ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوءُ من تَوَضَّأَ بِهِ كَانَ لَه أَجْرُهُ مَرَّتَينِ. ثمَّ دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ الأنبياءِ مِن قَبْلِي».
وَرَوَاهُ أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث الْأسود بن عَامر، عَن أبي إِسْرَائِيل عَن زيد الْعمي، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من تَوَضَّأ مرّة مرّة فَتلك وَظِيفَة الْوضُوء الَّتِي لابد مِنْهَا، وَمن تَوَضَّأ ثِنْتَيْنِ فَلهُ كفلان، وَمن تَوَضَّأ ثَلَاثًا فَذَلِك وضوئي ووضوء الْأَنْبِيَاء قبلي».
وَرَوَاهُ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ فِي كتاب إِيضَاح الإِشكال من حَدِيث عباد بن صُهَيْب، عَن مسعر بن كدام، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن عبد الله بن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أنَّه تَوضَّأَ مرّة مرّة فَقَالَ: هَذِهِ فَرَيضَةُ الوُضُوءِ وهوَ وضُوئِي، وهُوَ الذِي لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةَ إلاَّ بِهِ، ثمَّ تَوَضَّأ مَرَّتَينِ مَرَّتينِ فَقَالَ: هَذَا وضُوء مَرتَين، وَمَنْ تَوضَّأَ هَكَذَا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ، ثُمَّ تَوضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا وَقَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ الأَنبياءِ قَبْلي، ووضُوءُ أبي إِبْرَاهيمَ خَليلِ الرَّحْمَن».
وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بِمرَّة لَا يَصح من جَمِيع هَذِه الطّرق. أمَّا عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي فَهُوَ مَتْرُوك واه، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: كَذَّاب. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: ترك حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: جدًّا. وَقَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ. وَقَالَ السَّعْدِيّ: غير ثِقَة. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: ضَعِيف.
وَأما وَالِده زيد فالأكثر عَلَى تَضْعِيفه، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي عَن أنس أَشْيَاء مَوْضُوعَة لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. وَحَكَى ابْن أبي حَاتِم أَنه إِنَّمَا قيل لَهُ زيد الْعمي؛ لِأَنَّهُ كَانَ كلما سُئِلَ عَن شَيْء قَالَ: حتَّى أسأَل عمي. وَقَالَ ابْن عدي: لَعَلَّ شُعْبَة لم يروِ عَن أَضْعَف مِنْهُ. وَقَالَ الإِمام أَحْمد: هُوَ صَالح. وَقَالَ الْحسن بن سُفْيَان: ثِقَة. وَلَا أعلم من وَثَّقَهُ غَيرهمَا.
وَأما مُحَمَّد بن الْفضل الْمُتَقَدّم فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فضعيف جدًّا، كَانَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة شَدِيد الْحمل عَلَيْهِ، وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ حَدِيثه حَدِيث أهل الْكَذِب. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء وَلَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ مرّة: كَانَ كذابا. وَكَذَلِكَ قَالَ السَّعْدِيّ وَعَمْرو بن عَلّي وَيَحْيَى بن الضريس، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات، لَا يحل كَتْب حَدِيثه إلاَّ عَلَى سَبِيل الِاعْتِبَار. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ فِي علله: هَذَا حَدِيث يرويهِ زيد الْعمي، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن ابْن عمر. وَأَبُو إِسْرَائِيل الْملَائي، عَن زيد الْعمي، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر وَوهم فِيهِ، وَالصَّوَاب قَول من قَالَ: عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن أبي بن كَعْب وَلم يُتَابع عَلَيْهِ.
وَأما عباد بن صُهَيْب الْمَذْكُور فِي رِوَايَة عبد الْغَنِيّ فمتروك، كَمَا قَالَه البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: ذهب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير حتَّى إِذا سَمعهَا الْمُبْتَدِئ شهد لَهَا بِالْوَضْعِ.
قُلْتُ: ووراء هَذَا كُله عِلّة أُخْرَى وَهِي الِانْقِطَاع، فَإِن مُعَاوِيَة بن قُرَّة لم يدْرك ابْن عمر.
قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: عبد الرَّحِيم بن زيد مَتْرُوك الحَدِيث، وَزيد الْعمي ضَعِيف الحَدِيث، وَلَا يَصح هَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: وسُئل أَبُو زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث أَيْضا فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي حَدِيث واهٍ، وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة لم يلْحق ابْن عمر.
قُلْتُ لأبي: فإنَّ الرّبيع بن سُلَيْمَان حَدَّثَنَا بِهَذَا الحَدِيث عَن أَسد بن مُوسَى، عَن سَلام بن سليم، عَن زيد بن أسلم، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. فَقَالَ: هُوَ سَلام الطَّوِيل وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث وَهُوَ زيد الْعمي وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث.
وَذكر هَذَا الحَدِيث الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْمُسْتَدْرك مستشهدًا بِهِ وسَمَّاه مُرْسلا، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَوْصُولا من رِوَايَة أبي إِسْرَائِيل، عَن زيد الْعمي، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا كَمَا تقدم، وَمن حَدِيث الْمسيب بن وَاضح، عَن حَفْص بن ميسرَة، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِنَحْوِ الَّذِي قبله. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ الْمسيب عَن حَفْص، وَالْمُسَيب ضَعِيف.
قُلْتُ: وَقد وثق أَيْضا، قَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق. وَقَالَ ابْن عدي: كَانَ النَّسَائِيّ حسن الرَّأْي فِيهِ، وَهُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه.
لَا جرم قَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي الْأَحْكَام: هَذِه الطَّرِيق أحسن طرق الحَدِيث. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث نظر.
وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه مرج الْبَحْرين: انْفَرد بِهِ زيد بن الْحوَاري، وَهُوَ حَدِيث لَا يَصح أصلا.
قُلْتُ: لم ينْفَرد بِهِ، بل تَابعه مسعر بن كدام كَمَا تقدم.
قُلْتُ: وَلِلْحَدِيثِ طَريقَة أُخْرَى، رَوَاهَا ابْن مَاجَه عَن جَعْفَر بن مُسَافر، نَا إِسْمَاعِيل بن قعنب أَبُو بشر، نَا عبد الله بن عَرَادَة الشَّيْبَانِيّ، عَن زيد بن الْحوَاري، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن أبي بن كَعْب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ مرّة مرّة فَقَالَ: هَذَا وظيفةُ الوضُوءِ- أَو قَالَ: وضُوءٌ مَنْ لمْ يَتَوَضَّأه لمْ يقبل اللهُ لَهُ صَلاَةً- ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوءٌ مَنْ تَوَضَّأه أَعْطَاه اللهُ كِفْلَينِ مِنَ الأَجْرِ، ثمَّ تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ المُرْسَلِين قَبْلي».
وَهَذِه الطَّرِيقَة لَا شكّ فِي اتصالها لَكِنَّهَا ضَعِيفَة لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: زيد بن الْحوَاري وَقد تقدم.
وَالثَّانِي: عبد الله بن عَرَادَة وَهُوَ واه، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يقلب الْأَخْبَار، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخه بعد أَن سَاق هَذَا الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ: هَذَا الحَدِيث فِيهِ نظر، وَعبد الله بن عَرَادَة يُخَالف فِي حَدِيثه ويهم كثيرا.
فتلخص أَن هَذَا الحَدِيث من جَمِيع طرقه لَا يَصح.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه معرفَة السّنَن والْآثَار: هَذَا الحَدِيث رُوِيَ من أوجه كلهَا ضَعِيفَة.
وَقَالَ فِي السّنَن الْكَبِير: هَذَا الحَدِيث- يَعْنِي الأول- رَوَاهُ عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي عَن أَبِيه وَخَالَفَهُمَا غَيرهمَا، وَلَيْسوا فِي الرِّوَايَة بأقوياء.
وَقَالَ فِي خلافياته: هَذَا حَدِيث غير ثَابت فَإِن زيد الْعمي لَيْسَ بِقَوي.
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي: هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الإِسناد لايعرف إلاَّ من جِهَة ابْن الْحوَاري وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث. قَالَ: وَقد رُوِيَ من أوجه عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة وَكلهَا ضَعِيفَة، قَالَ: وَحَدِيث ابْن عمر فِي الْبَاب نَحْو حَدِيث أبي وَلَيْسَ فِي حَدِيثهمَا: «ووضوء خليلي إِبْرَاهِيم».
وَاعْترض النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب عَلَى الْحَازِمِي فِي قَوْله: لَيْسَ فِي حَدِيثهمَا «ووضوء خليلي إِبْرَاهِيم». فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيح، بل ذَلِكَ مَوْجُود فِي حَدِيث ابْن عمر، رَوَاهُ أَبُو يعْلى الْموصِلِي فِي مُسْنده. كَذَلِك رَأَيْته فِيهِ قُلْتُ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الإِمام الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي معرفَة السّنَن والْآثَار: قَالَ الشَّافِعِي فِي رِوَايَة حَرْمَلَة، وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه تَوَضَّأ مرّة مرّة ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوءٌ لَا يقبل اللهُ الصَّلاَةَ إِلاَّ بِهِ. ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ثمَّ قَالَ: مَنْ تَوضَّأَ مَرَّتَين آتاهُ اللهُ أَجْرَهُ مَرَّتين ثمَّ تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ الأنبياءِ قَبْلي، ووضُوءُ خلِيلِي إِبْرَاهيمَ».
هَذَا لفظ رِوَايَة الشَّافِعِي.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي تلخيصه لَكِن قَالَ: «خَلِيل الله إِبْرَاهِيم». وَهَذَا لَفظه: عَن ابْن عمر، قَالَ: «تَوَضَّأ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة مرّة فَقَالَ: هَذَا الوضُوءُ الذِي لاَ يقبل الله الصَّلاَة إِلاَّ بِهِ. ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ فَقَالَ: هَذَا القصدُ مِنَ الوضُوءِ. ثمَّ تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ خليلِ اللهِ إبراهيمَ، ووضُوءُ الْأَنْبِيَاء قَبْلِي، وهوَ وَظِيفَة الوضُوءِ، فَمَنْ تَوَضَّأَ وضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَن لَا إِلَه إلاَّ الله وأَشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورَسُولُهُ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة يَدْخُل مِنْ أَيها شَاءَ».
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه وَابْن مَاجَه فِي سنَنه بِلَفْظ: «ووضُوءُ خَلِيلِ اللهِ إِبْرَاهِيمَ»، كَمَا تقدم فِي الطَّرِيق الأول.
فصحَّ حينئذٍ رِوَايَة المُصَنّف لهَذَا الحَدِيث بِهَذِهِ اللَّفْظَة.
وَلِلْحَدِيثِ أَيْضا طَريقَة ثَالِثَة:
قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث يَحْيَى بن مَيْمُون، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «فِي صفة الْوضُوء مرّة مرّة، فَقَالَ: هَذَا الذِي افْتَرَضَ اللهُ عَلَيكُمْ. ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ، ثمَّ قَالَ: مَنْ ضَعَّفَ ضَعَّفَ اللهُ لَهُ. ثمَّ أَعَادَهُ ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا وضُوءنَا مَعْشَر الأَنْبَيَاء» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر واهٍ ضَعِيف.
ورابعة: عَن عَلّي بن الْحسن السَّامِي، ثَنَا مَالك، عَن ربيعَة، عَن ابْن الْمسيب، عَن زيد بن ثَابت وَأبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ مرّة مرّة فَقَالَ: هَذَا الذِي لاَ يَقْبِل اللهُ العَمَلَ إِلاَّ بِهِ. وَتَوَضَّأ مرَّتَيْنِ فَقَالَ: هَذَا يُضَاعِفُ الأَجْرَ. وَتَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ الأنبياءِ قَبْلي».
رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كتاب أَسمَاء الروَاة عَن مَالك بِإِسْنَادِهِ كَذَلِك، ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ عَن مَالك عَلّي بن الْحسن السَّامِي وَغَيره أوثق مِنْهُ.
وَله طَريقَة خَامِسَة: ذكرهَا الْحَافِظ أَبُو عَلّي بن السكن فِي كِتَابه الْمُسَمَّى ب السّنَن الصِّحَاح المأثورة، عَن أنس قَالَ: «دَعَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوضُوء فَغسل وَجهه مرّة وَيَديه مرّة وَرجلَيْهِ مرّة مرّة وَقَالَ: هَذَا وضُوء من لَا يَقْبَل اللهُ منهُ غَيره. ثمَّ مكث سَاعَة ودعا بِوضُوء فَغسل وَجهه وَيَديه وَرجلَيْهِ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوءُ مَنْ يُضَاعِفُ اللهُ لَهُ الأَجْرَ. ثمَّ مكث سَاعَة ثمَّ دَعَا بِوضُوء فَغسل وَجهه ثَلَاثًا وَيَديه ثَلَاثًا وَرجلَيْهِ ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوءُ نَبِيكُمْ ووضُوءُ النَّبيين قَبْلنا- أَو قَالَ: هَذَا وضُوءُ النَّبِيين قَبْلي».
وَكَذَا ذكره بِإِسْقَاط مسح الرَّأْس فِي الْكل.
وَاعْلَم أَنه يُغني عَن كل هَذَا الحَدِيث فِي الدّلَالَة أَحَادِيث صَحِيحَة:
أَحدهَا: عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا». رَوَاهُ مُسلم.
وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «أَن عُثْمَان تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ لأَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل رَأَيْتُمْ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل هَذَا؟ قَالُوا: نعم».
الثَّانِي: عَن عَلّي كرَّم الله وَجهه قَالَ: «تَوَضَّأ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثًا ثَلَاثًا».
رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: إِنَّه أحسن شَيْء فِي الْبَاب وَأَصَح.
وَفِي سنَن ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح عَن شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: «رَأَيْت عُثْمَان وعليًّا يتوضآن ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ويقولان: هَكَذَا وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
الثَّالِث: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَرفع ذَلِكَ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِسَنَد صَحِيح.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد حسن، وَفِيه الْوَلِيد بن مُسلم وَهُوَ مُدَلّس لكنه صرح بِالتَّحْدِيثِ.
الرَّابِع: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا».
رَوَاهُ الْبَزَّار وَقَالَ: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن أبي هُرَيْرَة بِأَحْسَن من هَذَا الإِسناد. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: إِسْنَاده جيد.
قُلْتُ: وَصَححهُ ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي تهذيبه.
وَفِي الْبَاب غير ذَلِكَ من الْأَحَادِيث، كَحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب الْآتِي بعد هَذَا.
فَائِدَة مهمة: وَهِي: هَل فعل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا الْوضُوء فِي مجْلِس وَاحِد أَو مجَالِس؟
وليعلم أَن النَّوَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ نقل فِي شرح الْمُهَذّب عَن القَاضِي حُسَيْن أَنه حَكَى فِي تَعْلِيقه فِي ذَلِكَ خلافًا لِأَصْحَابِنَا، فَمنهمْ من قَالَ: كَانَ ذَلِكَ فِي مجَالِس؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ ذَلِكَ فِي مجْلِس لصار غسل كل عُضْو سِتّ مَرَّات، وَذَلِكَ مَكْرُوه. وَمِنْهُم من قَالَ: كَانَ ذَلِكَ فِي مجْلِس وَاحِد، واغتفر ذَلِكَ لأجل التَّعْلِيم. وَرجح الرَّوْيَانِيّ من أَصْحَابنَا فِي الْبَحْر كَونه فِي مجْلِس.
قَالَ النَّوَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الظَّاهِر أَن هَذَا الْخلاف لم ينقلوه عَن رِوَايَة، بل قَالُوهُ بِالِاجْتِهَادِ.
وَظَاهر رِوَايَة ابْن مَاجَه وَغَيره أَنه كَانَ فِي مجْلِس وَاحِد.
قَالَ: وَهَذَا كالمتعين؛ لِأَن التَّعْلِيم لَا يكَاد يحصل إِلَّا فِي مجْلِس.
قُلْتُ: وَرِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ الَّتِي قدمناها صَرِيحَة فِي كَونهَا فِي مجْلِس وَاحِد.
وَلم يظفر بهَا النَّوَوِيّ فَهِيَ رَافِعَة لهَذَا الْخلاف، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.

.الحديث الحَادِي وَالثَّلَاثُونَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم توضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: من زَاد عَلَى هَذَا فقد أَسَاءَ وظلم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه، عَن مُسَدّد، ثَنَا أَبُو عوَانَة، عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رجلا أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ الطّهُور؟ فَدَعَا بِمَاء فِي إِنَاء فَغسل كفيه ثَلَاثًا، ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاثًا، ثمَّ غسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ وَأدْخل أصبعيه السباحتين فِي أُذُنَيْهِ، وَمسح بإبهاميه عَلَى ظَاهر أُذُنَيْهِ، وبالسباحتين بَاطِن أُذُنَيْهِ، ثمَّ غسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوضُوء، فَمن زَاد عَلَى هَذَا أَو نقص فقد أَسَاءَ وظلم- أَو ظلم وأساء».
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ:
«جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَله عَن الْوضُوء فَأرَاهُ الْوضُوء ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوضُوء فَمن زَاد عَلَى هَذَا فقد أَسَاءَ وتعدَّى وظلم».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه، عَن عَلّي بن مُحَمَّد، نَا خَالِي يعْلى، عَن سُفْيَان، عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِي...» الحَدِيث بِلَفْظ النَّسَائِيّ إلاَّ أَنه قَالَ: «فقد أَسَاءَ أَو تعدى، أَو ظلم»، بِلَفْظ أَو. وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده بِسَنَد النَّسَائِيّ وَلَفظه، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِلمام: إِسْنَاده صَحِيح إِلَى عَمْرو. فَمن احْتج بنسخة عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، فَهُوَ عِنْده صَحِيح.
قلت: احْتج بهَا الْأَكْثَرُونَ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا، لَا جرم أَن ابْن خُزَيْمَة أخرجه فِي صَحِيحه من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة بِلَفْظ «أَن أعرابيًّا أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلَهُ عَن الْوضُوء فَتَوَضَّأ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثًا ثَلَاثًا، فَقَالَ: من زَاد فقد أَسَاءَ وظلم- أَو اعْتَدَى وظلم»، ثمَّ قَالَ: لم يوصله غير الْأَشْجَعِيّ ويعلى.
وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي كِتَابه الطّهُور، عَن الحكم بن بشير بن سُلَيْمَان، عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «الْوضُوء ثَلَاث، فَمن زَاد أَو نقص، فقد أَسَاءَ وظلم- وَقَالَ الحكم: أَو قَالَ: ظلم وأساء».
وَزعم أَبُو دَاوُد فِي كتاب التفرد أَنه من مُفْرَدَات أهل الطَّائِف، وَأما صَاحب القبس فَقَالَ: صَحَّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تَوَضَّأ مرّة مرّة، ومرتين مرَّتَيْنِ، وَثَلَاثًا وَثَلَاثًا قَالَ: وَرُوِيَ: «فَمن زَاد أَو اسْتَزَادَ فقد تعدى وظلم». قَالَ: وَهَذَا لم يَصح.
وَالظَّاهِر أَن مُرَاده رِوَايَة ذَلِكَ إِثْر الحَدِيث السالف قبل هَذَا الحَدِيث.
فَائِدَة: اخْتلف أَصْحَابنَا فِي مَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «أَسَاءَ وظلم» عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهَا: أَن الإِساءة فِي النَّقْص، وَالظُّلم فِي الزِّيَادَة، فَإِن الظُّلم مُجَاوزَة الْحَد وَوضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه، وَهَذَا يدل لَهُ صَرِيحًا رِوَايَة أبي عبيد.
الثَّانِي: عَكسه؛ لِأَن الظُّلم يسْتَعْمل بِمَعْنى النَّقْص كَقَوْلِه تَعَالَى: {آتت أكلهَا وَلم تظلم مِنْهُ شَيْئا}.
الثَّالِث: أَسَاءَ وظلم فِي النَّقْص، وأساء وظلم فِي الزِّيَادَة.
حَكَى هَذِه الْأَقَاوِيل الثَّلَاثَة النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب. قَالَ:
وَاخْتَارَ ابْن الصّلاح الثَّالِث؛ لِأَنَّهُ ظَاهر الْكَلَام، قَالَ: وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة الْأَكْثَرين: «فَمن زَاد فقد أَسَاءَ وظلم» وَلم يذكرُوا النَّقْص، وَهَذِه الإِساءة وَالظُّلم مَعْنَاهُمَا أَنه مَكْرُوه كَرَاهِيَة تَنْزِيه، هَذَا قَول الْجُمْهُور.
وَقيل: تحرم الزِّيَادَة عَلَى الثَّلَاث.
وَقيل: لَا تحرم وَلَا تكره لَكِنَّهَا خلاف الأولَى. وَالصَّوَاب الأول، فَلَو زَاد أَو نقص لم يبطل وضوءه عِنْد جَمَاهِير الْعلمَاء. وَحَكَى الدَّارمِيّ عَن قوم أَنه يبطل كَمَا لَو زَاد فِي الصَّلَاة رَكْعَة أَو نقص مِنْهَا، هَذَا غلط فَاحش.
قَالَ النَّوَوِيّ: وَالْمَشْهُور فِي كتب الْفِقْه وشروح الحَدِيث وَغَيرهَا لِأَصْحَابِنَا وَغَيرهم أَن قَوْله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «فَمن زَاد أَو نقص» مَعْنَاهُ زَاد عَلَى الثَّلَاث أَو نقص مِنْهَا، وَلم يذكر أَصْحَابنَا وَغَيرهم غير هَذَا الْمَعْنى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن الْكَبِير: يحْتَمل أَن المُرَاد بِالنَّقْصِ نقص الْعُضْو.
وَجزم بِهَذِهِ الْمقَالة الشَّيْخ زكي الدَّين فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب.
قَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا تَأْوِيل غَرِيب ضَعِيف مَرْدُود. قَالَ: وَمُقْتَضَاهُ أَن تكون الزِّيَادَة فِي الْعُضْو وَهِي غسل مَا فَوق الْمرْفق والكعب إساءة وظلمًا وَلَا سَبِيل إِلَى ذَلِكَ، بل هُوَ مُسْتَحبّ، وَالْبَيْهَقِيّ مِمَّن نَص عَلَى اسْتِحْبَابه وَعقد فِيهِ بَابَيْنِ:
أَحدهمَا: بَاب اسْتِحْبَاب إمرار المَاء عَلَى الْعَضُد.
وَالثَّانِي: بَاب الإشراع فِي السَّاق. وَذكر فِيهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة السَّابِق.
قَالَ النَّوَوِيّ: فَإِن قيل كَيفَ يكون النَّقْص عَن الثَّلَاث إساءة وظلمًا ومكروهًا وَقد ثَبت أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فعله كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة؟ قُلْنَا: ذَلِكَ الِاقْتِصَار كَانَ لبَيَان الْجَوَاز فَكَانَ فِي ذَلِكَ الْحَال أفضل؛ لِأَن الْبَيَان وَاجِب.
فصل:
هَذَا أول حَدِيث أوردهُ الإِمام الرَّافِعِيّ من رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده وَهِي تَرْجَمَة اخْتلف فِي الِاحْتِجَاج بهَا ولنلخص الْكَلَام فِيهَا فِي مقامين:
أَحدهمَا: هَل يحْتَج بِهِ هُوَ نَفسه وَفِي ذَلِكَ مقَال.
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه الضُّعَفَاء: قَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ: كنت إِذا أَتَيْته غطيت رَأْسِي حَيَاء من النَّاس. وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد: هُوَ عندنَا واهٍ. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: رُبمَا احتججنا بِهِ، وَرُبمَا وَحش فِي الْقلب مِنْهُ شَيْء، وَله مَنَاكِير. وَقَالَ فِي رِوَايَة: لَيْسَ بِحجَّة. وَقَالَ فِي رِوَايَة: هُوَ ثِقَة فِي نَفسه إِنَّمَا بلي بِكِتَاب عَن أَبِيه عَن جده. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: إِنَّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَنه رَوَى صحيفَة كَانَت عِنْده. انْتَهَى مَا نَقله ابْن الْجَوْزِيّ. وَقَالَ سُفْيَان: كَانَ مُغيرَة لَا يعبأ بِصَحِيفَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده.
وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: حَدِيثه عَن أَبِيه عَن جده عِنْد النَّاس فِيهِ شَيْء.
وَقَالَ ابْن عدي: قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ أَحْمد: أَصْحَاب الحَدِيث إِذا شَاءُوا احْتَجُّوا بحَديثه عَن أَبِيه عَن جده، وَإِذا شَاءُوا تَرَكُوهُ. هَذَا كَلَام من طعن فِيهِ.
وَلَكِن الْجُمْهُور وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الِاحْتِجَاج بِهِ، كَمَا قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب، وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد قَالَ البُخَارِيّ: رَأَيْت أَحْمد بن حَنْبَل وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يحتجون بِحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده. قَالَ البُخَارِيّ: مَن النَّاس بعدهمْ؟.
قلت: وَمَعَ هَذَا القَوْل فَمَا احْتج بِهِ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه، نعم احْتج بِهِ فِي كتاب الْقِرَاءَة خلف الإِمَام.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سُئِلَ يَحْيَى بن معِين عَنهُ فَغَضب وَقَالَ: مَا شَأْنه؟! رَوَى عَنهُ الْأَئِمَّة، وَرَوَى مَالك عَن رجل عَنهُ.
وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ابْن معِين قَالَ: إِذا حَدَّث عَن أَبِيه عَن جده فَهُوَ كتاب. قَالَ: فَمن هَذَا جَاءَ ضعفه.
وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: مَا رَأَيْت أحدا من أَصْحَابنَا مِمَّن ينظر فِي الحَدِيث وينتقي الرِّجَال، يَقُول فِي عَمْرو بن شُعَيْب شَيْئا، وَحَدِيثه صَحِيح وَهُوَ ثِقَة ثَبت والْأَحَادِيث الَّتِي أَنْكَرُوا من حَدِيثه إنَّما هِيَ لقوم ضعفاء رووها عَنهُ، وَمَا رَوَى عَنهُ الثِّقَات فَصَحِيح.
وَسُئِلَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: أَيّمَا أحب إِلَيْك عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وبهز بن حَكِيم، عَن أَبِيه عَن جده؟ فَقَالَ: عَمْرو أحب إِلَيّ.
وَقَالَ أَبُو زرْعَة: رَوَى عَنهُ الثِّقَات وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ كَثْرَة رِوَايَته عَن أَبِيه عَن جده. وَإِنَّمَا سمع أَحَادِيث يسيرَة وَأخذ صحيفَة كَانَت عِنْده فرواها. وَقَالَ أَبُو زرْعَة أَيْضا: هُوَ مكي ثِقَة فِي نَفسه. وَقَالَ أَحْمد الْعجلِيّ: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان: هُوَ ثِقَة يحْتَج بِهِ. وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ: هُوَ واهي الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارمي: هُوَ ثِقَة، رَوَى عَنهُ الَّذين نظرُوا فِي أَحْوَال الرِّجَال كأيوب وَالزهْرِيّ وَالْحكم، وَاحْتج أَصْحَابنَا بحَديثه.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي بَاب الطَّلَاق قبل النِّكَاح: وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده إِذا كَانَ الرَّاوِي عَن عَمْرو ثِقَة فَهُوَ كأيوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. وَهَذَا فِي التَّشْبِيه نِهَايَة الْجَلالَة من مثل هَذَا الإِمام.
وَقَالَ ابْن عدي: رَوَى عَنهُ أَئِمَّة النَّاس وثقاتهم وَجَمَاعَة من الضُّعَفَاء وَلَكِن أَحَادِيثه عَن أَبِيه عَن جده- مَعَ احتمالهم إِيَّاه- لم يدخلوها فِي الصِّحَاح.
قلت: بل أدخلوها فِي الحسان المحتج بهَا.
وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ: سَمِعت عدَّة من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يذكرُونَ أَن عَمْرو بن شُعَيْب فِيمَا رَوَاهُ عَن سعيد بن الْمسيب وَغَيره فَهُوَ صَدُوق، وَمَا رَوَاهُ عَن أَبِيه عَن جده يجب التَّوَقُّف فِيهِ.
وَقَالَ عبد الْحق فِي الْأَحْكَام: عَمْرو بن شُعَيْب ثِقَة، وَإِنَّمَا تكلم فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يحدث عَن صحيفَة جده.
وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْمُسْتَدْرك فِي كتاب الْهِبَة: لَا أعلم خلافًا فِي عَدَالَة عَمْرو بن شُعَيْب؛ إِنَّمَا اخْتلفُوا فِي سَماع أَبِيه من جده.
وَقَالَ الْحَافِظ شمس الدَّين الذَّهَبِيّ فِي جُزْء «فِيمَن تكلم فِيهِ وَهُوَ موثق» عَمْرو بن شُعَيْب صَدُوق فِي نَفسه لَا يظْهر لي تَضْعِيفه بِحَال وَحَدِيثه قوي.
الْمقَالة الثَّانِيَة: أنَّ هَذِه التَّرْجَمَة نسبت إِلَى الإِرسال والانقطاع.
قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: لَا يجوز الِاحْتِجَاج عِنْدِي بِمَا رَوَاهُ عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده؛ لِأَن هَذَا الإِسناد لَا يَخْلُو من أَن يكون مُرْسلا أَو مُنْقَطِعًا لِأَنَّهُ عَمْرو بن شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ. فَإِذا رَوَى عَن أَبِيه عَن جده، فَأَرَادَ بجده مُحَمَّدًا فمحمد لَا صُحْبَة لَهُ. وَإِن أَرَادَ عبد الله فأبوه شُعَيْب لم يلق عبد الله، والمنقطع والمرسل لَا تقوم بهما حجَّة؛ لِأَن الله- تَعَالَى- لم يُكَلف عباده أَخذ الدَّين عَمَّن لَا يعرف.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: جده الْأَدْنَى مُحَمَّد وَلم يدْرك رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وجده الْأَعْلَى عَمْرو بن الْعَاصِ وَلم يُدْرِكهُ شُعَيْب. وجده الْأَوْسَط عبد الله وَقد أدْركهُ. فَإِذا لم يسم جدّه احْتمل أَن يكون مُحَمَّدًا، وَاحْتمل أَن يكون عمرا فَيكون فِي الْحَالين مُرْسلا، وَاحْتمل أَن يكون عبد الله الَّذِي أدْركهُ فَلَا يَصح الحَدِيث وَيسلم من الإِرسال إلاَّ أَن يَقُول عَن جدِّه عبد الله بن عَمْرو.
وَقَالَ الإِمام الشَّافِعِي فِيمَا نَقله ابْن معن الدِّمَشْقِي فِي كِتَابه الْمُسَمَّى ب التنقيب والقلعي فِي كَلَامه كِلَاهُمَا عَلَى الْمُهَذّب: لَا أحتج بِحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب حَتَّى أعلم عَن أَي جديه يروي، فإنْ رَوَاهُ عَن جده مُحَمَّد بن عبد الله فَهُوَ مُرْسل لَا أحتج بِهِ، وإنْ رَوَاهُ عَن جد أَبِيه فجد أَبِيه عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فَهُوَ صَحِيح يجب الْعَمَل بِهِ.
وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي نَحْو هَذَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَاب زَكَاة الذَّهَب وَالْفِضَّة.
وَنقل أَبُو عبد الله الْقطَّان فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي أَن الشَّافِعِي غمض عَلَى عَمْرو بن شُعَيْب.
وَالْجَوَاب: أَنه قد صَحَّ وَثَبت أَن شعيبًا سمع من جده عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، فروَى الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن الْكَبِير فِي الْحَج وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فِي الْبيُوع عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه «أَن رجلا أَتَى عبد الله بن عَمْرو يسْأَله عَن محرم وَقع بامرأته فَأَشَارَ إِلَى عبد الله بن عمر، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ فَاسْأَلْهُ. قَالَ شُعَيْب: فَلم يعرفهُ الرجل فَذَهَبت مَعَه فَسَأَلَ ابْن عمر، فَقَالَ: بَطل حجك. قَالَ الرجل: فَمَا أصنع؟ قَالَ: اخْرُج مَعَ النَّاس واصنع مَا يصنعون، فَإِذا أدْركْت قَابلا فحج واهد، فَرجع إِلَى عبد الله بن عَمْرو وَأَنا مَعَه فَأخْبرهُ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى عبد الله بن عَبَّاس فَاسْأَلْهُ. قَالَ شُعَيْب: فَذَهَبت مَعَه إِلَى ابْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ ابْن عمر، فَرجع إِلَى عبد الله بن عَمْرو وَأَنا مَعَه فَأخْبرهُ بِمَا قَالَ ابْن عَبَّاس، ثمَّ قَالَ: مَا تَقول أَنْت؟ قَالَ: قولي مثل مَا قَالَا».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث رُوَاته ثِقَات حفاظ وَهُوَ كالأخذ بِالْيَدِ فِي صِحَة سَماع شُعَيْب بن مُحَمَّد من جده عبد الله بن عَمْرو. قَالَ: وَقد كنت أطلب الْحجَّة الظَّاهِرَة فِي سَماع شُعَيْب بن مُحَمَّد عَن عبد الله بن عَمْرو فظفرت بهَا الْآن.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح. قَالَ: وَفِيه دَلِيل عَلَى صِحَة سَماع شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عبد الله من جده عبد الله بن عَمْرو.
وَهَذِه الْمقَالة الْمُتَقَدّمَة من الْحَاكِم تكون رُجُوعا عَمَّا قَالَه فِي الْمُسْتَدْرك فِي كتاب الصَّلَاة حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا قَالُوا فِي تَرْجَمَة عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده للإِرسال فَإِنَّهُ عَمْرو بن شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَشُعَيْب لم يسمع من جده عبد الله. وَقَالَ فِيهِ فِي الْهِبَة: أَنا عَلّي بن عمر الْحَافِظ سَمَاعا سَمِعت أَبَا بكر بن زِيَاد الْفَقِيه النَّيْسَابُورِي يَقُول: سَمِعت مُحَمَّد بن عَلّي بن حمدَان الْوراق يَقُول: قلت لِأَحْمَد بن حَنْبَل: عَمْرو بن شُعَيْب سمع من أَبِيه شَيْئا؟ فَقَالَ: هُوَ عَمْرو بن شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو، وَقد صَحَّ سَماع عَمْرو بن شُعَيْب من أَبِيه شُعَيْب، وَصَحَّ سَماع شُعَيْب من جده عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ. وَنقل نَحْو ذَلِكَ عَن الإِمام أَحْمد ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب التَّحْقِيق، فَإِنَّهُ قَالَ: أثبت أَحْمد سَماع شُعَيْب من جده عبد الله بن عَمْرو.
وَقَالَ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه: سمع شُعَيْب من عبد الله بن عَمْرو، وَقَالَ لنا أَبُو حَيْوَة عَن زِيَاد بن عَمْرو: سَمِعت شُعَيْب بن مُحَمَّد أَنه سمع عبد الله بن عَمْرو. وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: سَمِعت عَلّي بن الْمَدِينِيّ يَقُول: قد سمع أَبوهُ شُعَيْب من جده عبد الله. قَالَ عَلّي: وَعَمْرو عندنَا ثِقَة، وَكتابه صَحِيح.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا الَّذِي قَالَه ابْن حبَان من أَنه لم يَصح سَماع شُعَيْب من جده عبد الله بن عَمْرو خطأ، فقد رَوَى عبيد الله بن عمر الْعمريّ- وَهُوَ من الْأَئِمَّة الْعُدُول- عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد عبد الله بن عمر فجَاء رجل فاستفتاه فِي مَسْأَلَة فَقَالَ لي: يَا شُعَيْب امْضِ مَعَه إِلَى ابْن عَبَّاس.
فَهَذَا صَرِيح فِي سَماع شُعَيْب من جده عبد الله.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب الطَّلَاق قبل النِّكَاح: مَضَى فِي بَاب وَطْء الْمحرم، وَبَاب الْخِيَار مَا دلّ عَلَى سَماع شُعَيْب من جده إِلَّا أَنه إِذا قيل: عَن أَبِيه عَن جده. يشبه أَن يُرَاد بالجد مُحَمَّد بن عبد الله وَلَيْسَت لَهُ صُحْبَة، فَيكون الْخَبَر مُرْسلا، وَإِذا قيل: عَن جده عبد الله. زَالَ الإِشكال واتصل الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي عُلُوم الحَدِيث: احْتج بِهَذِهِ التَّرْجَمَة أَكثر الْمُحدثين حملا لجده عَلَى عبد الله دون التَّابِعِيّ لما ظهر لَهُم من إِطْلَاقه ذَلِكَ.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي التَّهْذِيب: أنكر بَعضهم سَماع شُعَيْب من جده عبد الله بن عَمْرو، وَقَالَ: إِنَّمَا سمع أَبَاهُ مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو فَتكون رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلَة، وَهَذَا إِنْكَار ضَعِيف، وَأثبت الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره من الْأَئِمَّة سَماع شُعَيْب من عبد الله، وَقَالَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي عَلَى مَا نقل الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي بَاب الطَّلَاق قبل النِّكَاح: صَحَّ سَماع عَمْرو من أَبِيه شُعَيْب وَسَمَاع شُعَيْب من جده عبد الله. قلت: وَقد ظَفرت بِحَدِيث آخر فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ يدل صَرِيحًا عَلَى أَن المعني بجد شُعَيْب عبد الله بن عَمْرو، وَأَن عمرا سمع من أَبِيه، وَأَن أَبَاهُ سمع من جده، وَلَعَلَّه الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِيمَا تقدم.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: نَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي نَا عبد الله بن مُحَمَّد بن زِيَاد نَا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن وهب، حَدَّثَني عمي، حَدَّثَني مخرمَة بن بكير، عَن أَبِيه، قَالَ: سَمِعت عَمْرو بن شُعَيْب يَقُول: سَمِعت شعيبًا يَقُول: سَمِعت عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «أَيّمَا رجل ابْتَاعَ من رجل بيعا فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا من مكانهما إِلَّا أَن تكون صَفْقَة خِيَار، وَلَا يحل لأحد أَن يُفَارق صَاحبه مَخَافَة أَن يقيله».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَوْله «يقيله» أَرَادَ بِهِ- وَالله أعلم- يفسخه، فَعبر بالإِقالة عَن الْفَسْخ.
قلت: وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح إِلَى عَمْرو بن شُعَيْب عَلَى شَرط مُسلم.
وَأخرجه أَيْضا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة، عَن اللَّيْث، عَن ابْن عجلَان، عَن عَمْرو بِهِ.
وَرَوَى أَيْضا أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه التَّصْرِيح بِسَمَاع شُعَيْب من جده من غير طَرِيق ابْنه، روياه من حَدِيث ثَابت يَعْنِي الْبنانِيّ، عَن شُعَيْب بن عبد الله، قَالَ: سَمِعت عبد الله بن عَمْرو يَقُول: «مَا رُئي النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْكُل مُتكئا، وَلَا يطَأ عقبه رجلَانِ». فقد ثَبت بأقاويل هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ أَن عَمْرو بن شُعَيْب ثِقَة وَأَن رِوَايَة شُعَيْب عَن جده عبد الله بن عَمْرو صَحِيحَة لَا إرْسَال فِيهَا، وَأَن عمرا سمع من أَبِيه، وَأَن أَبَاهُ سمع من جده، فاضبط مَا حققناه لَك.
وَمن رِوَايَات عَمْرو بن شُعَيْب المستغربة مَا رَوَاهَا أَبُو دَاوُد فِي سنَنه فِي كتاب الْبيُوع فِي بَاب الرجل يَبِيع مَا لَيْسَ عِنْده، عَن زُهَيْر بن حَرْب، ثَنَا إِسْمَاعِيل، عَن أَيُّوب، حَدَّثَني عَمْرو بن شُعَيْب، حَدَّثَني أبي، عَن أَبِيه حَتَّى ذكر عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا يحل سلف وَبيع، وَلَا شَرْطَانِ فِي بيع، وَلَا ربح مَا لم يضمن، وَلَا بيع مَا لَيْسَ عنْدك».
قَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف: هَكَذَا وَقع فِي سنَن أبي دَاوُد عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه شُعَيْب، عَن أَبِيه مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو، عَن أَبِيه عبد الله بن عَمْرو، وَهِي رِوَايَة مستغربة جدًّا؛ لِأَن الْمَعْرُوف عِنْد أهل الحَدِيث أَن شعيبًا إِنَّمَا يروي عَن جده عبد الله لَا عَن أَبِيه مُحَمَّد؛ لِأَن مُحَمَّدًا أَبَاهُ مَاتَ قبل جده عبد الله، وَلِهَذَا قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي: لم يقل أحد إِن شعيبًا يروي عَن أَبِيه مُحَمَّد، وقلَّ من عمل لمُحَمد تَرْجَمَة، قَالَ: فَدلَّ عَلَى أَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده عبد الله صَحِيح مُتَّصِل.
قلت: وَحَدِيثه هَذَا: «لَا يحل سلف وَبيع»، رَوَاهُ مَعَ أبي دَاوُد التِّرْمِذِيّ عَن أَحْمد بن منيع، عَن إِسْمَاعِيل بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث يزِيد بن زُرَيْع وَمعمر كِلَاهُمَا عَن أَيُّوب، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده كالروايات الْمَعْرُوفَة.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث حَمَّاد بن زيد، عَن أَيُّوب، وَمن حَدِيث أبي كريب، عَن إِسْمَاعِيل بن علية، عَن أَيُّوب. فَلم يتَّفق فِيهِ عَلَى إِسْمَاعِيل بِزِيَادَة ذكر مُحَمَّد بن عبد الله.
وَرَوَى النَّسَائِيّ من حَدِيث وهيب، عَن عبد الله بن طَاوس، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن أَبِيه مُحَمَّد بن عبد الله، وَقَالَ مرّة: عَن أَبِيه، وَقَالَ مرّة: عَن جده فِي النَّهْي عَن لُحُوم الْحمر والجلال.
كَذَا رَوَاهُ أَبُو عَلّي الأسيوطي عَن النَّسَائِيّ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث يَعْقُوب بن عَطاء- وَقد ضَعَّفُوهُ، وَأما ابْن حبَان فَإِنَّهُ وَثَّقَهُ- عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه دخل عَلَى عَمْرو بن الْعَاصِ وَهُوَ يتغدى يَوْم عَرَفَة فَدَعَاهُ إِلَى الْغَدَاء فَقَالَ: إِنِّي صَائِم. فَقَالَ: أما علمت أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن صِيَام هَذَا الْيَوْم؟ يَعْنِي بِعَرَفَة». وكل هَذِه الرِّوَايَات خلاف الجادة عَنهُ.
هَذَا آخر مَا أردته من ذكر هَذِه التَّرْجَمَة وإيضاحها، وَإِنَّمَا طولت الْكَلَام فِيهَا لِأَنَّهَا متكررة فِي كتَابنَا هَذَا وَغَيره كثيرا، فَأَرَدْت إيضاحها وتقريرها فِي أول مَوضِع ليحال مَا يَقع بعد ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.